ملامح التجارب الكبرى للرقابة على دستورية القوانين (النموذجان الأمريكي والفرنسي)

       ملامح التجارب الكبرى

      في الرقابة على دستورية القوانين

     (النموذجان الأمريكي والفرنسي)

                                                                           المستشار /

                                                                                   د. خليفة سالم الجهمي

  المقدمة

لا تسير الدول على نهج واحد في الأخذ بالرقابة على دستورية القوانين ، فمنها ما يتبنى نظام الرقابة السياسية على دستورية القوانين ويعهد بهذه المهمة إلى هيئة ذات طابع سياسي بحت تشكل بطريقة معينة كما هو الشأن بالنسبة للمجلس الدستوري الفرنسي المنصوص عليه في دستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 ، ومنها ما ينتهج نظام الرقابة القضائية على دستورية القوانين ويسند القيام بذلك إلى هيئة ذات طابع قضائي بحت إما من داخل التنظيم القضائي نفسه كما هو الحال بالنسبة للمحكمة العليا الليبية ، وإما بإنشاء محكمة مستقلة مخصصة لهذا الغرض مثلما هو الحال بالنسبة للمحكمة الدستورية العليا المصرية المنصوص عليها بالمادة(175) من دستوري مصر السابقين الصادرين في سنتي 1971 ، 2012 والمادتين (191) ، (192) من الدستور المصري الحالي الصادر بتاريخ 18/1/2014 ([1]).

وتختلف الدول أيضا في تنظيم الرقابة القضائية على دستورية القوانين من حيث مركزية الرقابة أو عدم مركزيتها ، إذ يتبنى بعضها النظام اللامركزي بجعل هذه الرقابة مشاعا بين سائر المحاكم بمختلف أنواعها ودرجاتها ويظهر ذلك بصورة جلية في الدول الاتحادية (الفيدرالية) كالولايات المتحدة الأمريكية([2]) ويعتمد بعضها الآخر النظام المركزي حيث تتولى الرقابة على دستورية القوانين وفقا لهذا النظام محكمة وحيدة دون غيرها على سبيل الانفراد كما هو الحال في مصر([3]).

كما تتباين صور الرقابة القضائية على دستورية القوانين التي تتخذها الدول ما بين رقابة إلغاء أو تقرير بطلان النص التشريعي غير الدستوري ، ورقابة امتناع عن تطبيق النص التشريعي المشوب بعدم الدستورية ، وتختلف كذلك في الطرق المتبعة لديها لتحريك هذه الرقابة كطريق الدعوى الأصلية المباشرة أو طريق الدفع الفرعي أو الإحالة أو التصدي([4]).

ومن أشهر التجارب في الرقابة على دستورية القوانين في دول العالم التجربة الأمريكية والتجربة الفرنسية حيث لا يخلو مؤلف في القانون الدستوري من الإشارة إليهما ، حتى باتا معا بمثابة نموذجين شائعين في هذا المجال ، إذ تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أسبق الدول التي أعلن فيها القضاء رقابته على دستورية القوانين وأصبحت بذلك مثالا يحتذى به في كثير من الأنظمة ، كما تتميز فرنسا بتجربة مختلفة في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين جارتها فيها العديد من الدول ، ويعقد غالبية الفقه الدستوري المقارنة بين هذين النموذجين على أساس أن كل منهما يتفرد بنوع خاص من هذه الرقابة ،إذ يمثل النموذج الأمريكي الرقابة القضائية على دستورية القوانين ، بينما يجسد النموذج الفرنسي الرقابة السياسية على دستورية القوانين([5])وتتفاوت الأنظمة القانونية في دول العالم حول الأخذ بأي من هذين النموذجين أو الجمع بينهما أو ابتداع نظام خاص بها ، وسنسلط بعض الضوء على هذين النموذجين من خلال المبحثين التاليين :

المبحث الأول: النموذج الأمريكي .

المبحث الثاني: النموذج الفرنســي.

المبحث الأول

النموذج الأمريكي

يعتبر النموذج الأمريكي هو أقدم وأشهر التجارب النموذجية للرقابة الدستورية الذي بات معلما بارزا في تاريخ النظم الدستورية لا يخلو مؤلف من الإشارة إليه ، وأفسح المجال أمام كثير من الدول للاقتداء به ، ونتناول بحث هذا النموذج – بشيء من الإيجاز غير المخل- في ثلاث فقرات على الوجه التالي:

(أولا)  نشأة الرقابة الدستورية في أمريكا:

يقوم النظام السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية على أساس اتحاد فيدرالي يتكون من سلطات مزدوجة تشريعية وتنفيذية وقضائية يتقاسمها الاتحاد المركزي وحكومات الولايات ، وبالتالي فإن في كل من الاتحاد والولايات محاكم ودساتير تختلف من حيث الدرجة والقوة ، ومن حيث الاختصاص والنطاق طبقا لنظام الاتحاد المركزي الفيدرالي([6]).

ولئن كان مؤسسو الدستور الأمريكي الصادر في 1787.09.17([7]) قد نظروا إليه باعتباره القانون الأسمى في الدولة ، إلا أنهم لم يحددوا جهة بعينها تكفل مراقبة سيادة وسمو الدستور ، واقترح في مؤتمر فيلادلفيا عام 1787 تخويل مجلس الكونجرس الحق في أن يطلب من القضاة عند الشك في دستورية تشريع ما إبداء رأيهم حول مدى توافقه مع الدستور ، وتردد أكثر من مرة الاقتراح بأن يعهد بذلك إلى قضاة المحكمة العليا الاتحادية على هيئة مجلس مراجعة مشترك مع السلطة التنفيذية يزود بسلطة نقض التشريعات المخالفة للدستور ، وتم الرد على ذلك بأن هذه السلطة مخولة أصلا للقضاة في المنازعات التي تعرض عليهم وفقا للقانون ، وأن الاستجابة لهذا الاقتراح سيعطي المحكمة العليا سلطة مزدوجة في المراجعة ، ويخل بحيدة قضاة المحكمة بإبداء رأيهم في تشريعات معينة قبل أن تعرض عليهم في منازعات قضائية ، كما أنه وإن كانت المحكمة العليا تستطيع مباشرة هذه السلطة من خلال منازعة قضائية إلا أن ممارستها بطريق المراجعة المشركة مع السلطة التنفيذية ينطوي على الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات ويجعل من قضاة هذه المحكمة رجال دولة ، وفي النهاية انفض المؤتمر دون أن يخول المحكمة العليا الاتحادية صراحة حق مراقبة دستورية القوانين ، وفي الحقيقة فإن القيود والضوابط التي يفرضها الدستور على سلطة التشريع في أمريكا لا يمكن التزامها ، وحمل هذه السلطة على الخضوع لها إلا من خلال وساطة السلطة القضائية ، ولهذا كان لازما أن يتقرر مبدأ الرقابة الدستورية لضمان اتفاق أحكام القوانين مع نصوص الدستور([8]).

ولما كانت الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الدستور الأمريكي الاتحادي تنص على أن ((تناط السلطة القضائية في الولايات المتحدة بمحكمة عليا واحدة وبمحاكم أدنى درجة حسبما يرتأى الكونجرس([9]) ويحدد من حين لآخر )) .

فإن مفاد ذلك أنه على المستوى الاتحادي فإن السلطة القضائية تتولاها المحكمة العليا الاتحادية والمحاكم الأخرى الأدنى درجة التي يرى الكونجرس إنشائها وفقا لما تمليه الحاجة من وقت لآخر ، وتشمل المحاكم الأدنى درجة كل من محاكم أول درجة الموزعة في أنحاء الدولة ، ومحاكم ثان درجة التي تمارس الاختصاص ألاستئنافي ، وتتربع على قمة هذه المحاكم المحكمة العليا الاتحادية التي تختص بتلقي طعون النقض أو إعادة النظر في الأحكام الصادرة عن المحاكم الأخرى الأدنى درجة ، وبذلك تكون المحكمة العليا الاتحادية صاحبة الكلمة الأخيرة في النظام القضائي الأمريكي ، لا سيما فيما يتعلق باختصاصها النهائي بالفصل في مختلف المنازعات المنصبة على النظر في مدى اتفاق أحد الأعمال القانونية مع الدستور الاتحادي ، ويوجد إلى جانب ذلك في سائر الولايات رقابة مفروضة على الدستورية بالنسبة للقوانين الداخلية في ضوء الدساتير الداخلية لتلك الولايات ، ويتم ممارسة هذه الرقابة بواسطة محاكم الولايات التي يتربع على قمتها محاكم عليا عديدة ، وذلك بصورة جزئية حيث تخضع أحكامها الصادرة بهذا الخصوص للطعن بالاستئناف أمام المحاكم الاتحادية ، وللطعن بالنقض أمام المحكمة العليا الاتحادية([10]).

ويلاحظ أن دستور الولايات المتحدة الأمريكية لسنة 1789 لم يتناول تنظيم الرقابة على دستورية القوانين إلا في حالة واحدة تتمثل في مخالفة أي نص يرد في دستور أو قانون من قوانين أية ولاية ، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة السادسة منه على أن ((هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر تبعا له  وجميع المعاهدات المعقودة أو التي تعقد تحت سلطة الولايات المتحدة ، هو القانون الأعلى للبلاد ، ويكون القضاة في جميع الولايات ملزمين به  ولا يعتد بأي نص في دستور أو قوانين أية ولاية يكون مخالفا لذلك)).

ويرى بعض الفقه الدستوري([11])أن ظهور الرقابة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية يرجع إلى تفاعل عدد كبير من الظروف القانونية والسياسية والاقتصادية التي لازمت المجتمع الأمريكي وصاحبت تطوره ، وأن العوامل التي ساهمت في نشأة الرقابة على دستورية القوانين وتطورها في الولايات المتحدة الأمريكية حتى وصلت بها إلى الصورة التي عليها هي كالآتي:

  • التمييز والتفرقة بين القوانين الدستورية باعتبارها القواعد القانونية الأعلى أو الأساسية ، وبين القوانين العادية التي تصدر عن الهيئة التشريعية.
  • تبني الدستور الأمريكي النظام الاتحادي ، وتوزيع الاختصاصات الدستورية بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات.
  • الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات الذي راج في الفكر الأوربي خلال القرن الثامن عشر ، وأنتقل إلى القارة الأمريكية مع البذور الأولى للحياة السياسية فيها ثم صار أحد المعالم الأساسية لنظامها الدستوري.
  • وجود عدد من السوابق الدستورية والسياسية التي عاصرت نشأة الحكومة الأمريكية والتي يعد كثير منها تمهيدا على نحو ما لفكرة الرقابة الدستورية.

ويعتبر حكم المحكمة العليا الاتحادية الشهير الذي أصدرته برئاسة القاضي جون مارشال في قضية ماربوري ضد ماديسون عام 1803 البداية الحقيقية لنشأة الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية وإرساء دعائمها ، وتخلص وقائع هذه القضية في أنه عقب فوز توماس جيفرسون (وهو من خصوم الفيدراليين) في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 1800 على الرئيس جون آدمز (وهو من أنصار الفيدراليين) عمد هذا الأخير قبل مغادرته للسلطة إلى شغل بعض المناصب الهامة بعناصر من الفيدراليين ، وركز في ذلك على السلطة القضائية فسنحت له الفرصة بتعيين رئيس للمحكمة العليا الاتحادية من الفيدراليين هو جون مارشال الذي يحظى بمكانة مرموقة([12])خلفا لرئيسها السابق القاضي إيلزوورث الذي استقال من منصبه لظروف صحية قبل انتخاب جيفرسون بشهر واحد ، وكان من بين فصول مخطط السيطرة على السلطة القضائية تعديل قانون النظام القضائي الصادر مع الدستور عام 1789 ، فسن الكونجرس قانونا بهذا الخصوص قبل انفضاضه متضمنا إنشاء ستة محاكم إقليمية جديدة مما اقتضى تعيين ستة عشر قاضيا ، كما خول الكونجرس الرئيس جون آدمز سلطة تعيين عدد آخر من قضاة المحاكم الجزئية للعمل في إقليم كولومبيا ، وأنقص القانون عدد قضاة المحكمة العليا الاتحادية من ستة إلى خمسة لمنع منح الرئيس الجديد فرصة تعيين قاض بها فيما لو وافت المنية أحد قضاتها العاملين ، وخلال الفترة الأخيرة لآدمز في منصب الرئاسة وافق مجلس الشيوخ على تلك التعيينات ووقع الرئيس على قرارات التعيين في منتصف اليوم السابق لترك منصبه ، ولهذا عرف هؤلاء القضاة باسم (قضاة منتصف الليل) وفي غمرة هذه الأحداث ولظروف الاستعجال نسي الرئيس آدمز ووزير داخليته مارشال أن يسلما عددا من قرارات التعيين إلى أصحابها ، وامتنعت حكومة الرئيس الجديد (جيفرسون) عن تسليمها إياهم ، فرفع السيد ماربوري وثلاثة من زملائه دعوى على ماديسون وزير داخلية جيفرسون يطالب فيها بإصدار أمر قضائي موجه إلى الوزير ماديسون يقضي بتسليمه قرار التعيين وممارسته وظيفته التي اكتسب الحق فيها بصدور قرار تعيينه وموافقة مجلس الشيوخ وتصديق الرئيس عليه .

وفي خضم هذه الظروف بدا واضحا أن حكم المحكمة سيكون عظيم الأثر في تحديد مستقبل الصراع بين الجمهوريين وبين السلطة القضائية ، ذلك أن المحكمة إما أن تنتصر لماربوري فتقضي له بمطلبه ، وإما أن تعترف للإدارة بما زعمته لنفسها من سلطة تقديرية في تسليم القرار أو الامتناع عن تسليمه ، وفي الحالتين يتعرض مركز المحكمة لخطر بليغ ، ففي الحالة الأولى تتعرض لامتناع الحكومة عن تنفيذ قرارها مما يزعزع هيبتها ومكانتها ، أما في الحالة الثانية فإنها تكون بمثابة المنسحب في أول جولة من جولات الصراع بينها وبين الحكومة مما يفوت الغرض من مسعى الفيدراليون بتعيين أنصارهم في مناصب السلطة القضائية ليوازنوا بها هيمنة خصومهم على الكونجرس والسلطة التنفيذية ، وفي ظل هذا المأزق تجلت براعة جون مارشال وقدرته القانونية والسياسية معا ، فلا هو قضى لصالح ماربوري بتسليم قرار تعيينه ، ولا هو اعترف للإدارة بحقها في الامتناع عن هذا التسليم ، ولم يكتف بهذا بل اتخذ من القضية سببا ليلقي على الرئيس والكونجرس درسا دستوريا في ضرورة احترام القانون ومراعاة مبدأ المشروعية ، وليقرر للقضاء اختصاصه بالقيام على حماية الدستور برد سائر الهيئات العامة إلى حدودها الدستورية إن هي حاولت تخطيها أو الخروج عليها.

ولم يتبع مارشال في معالجة القضية الأسلوب المعتاد الذي يقضي بالتعرض أولا لبحث اختصاص المحكمة بنظر الدعوى ، فإذا تبينت عدم اختصاصها قضت بذلك وتجنبت التعرض لموضوعها ، ولكنه صاغ الاشكاليات القانونية التي تثيرها الدعوى في صورة أربعة أسئلة متتالية أولها- هل لماربوري حق مكتسب في وظيفته وفي تسلم قرار تعيينه؟ وأجاب على ذلك بالقول إن امتناع ماديسون عن تسليم القرار إلى ماربوري بنية حرمانه من الوظيفة يعد عدوانا غير مشروع على حقه المكتسب فيها ، وثاني هذه الأسئلة مترتب على إجابة السؤال الأول – وهو إذا كان لماربوري حق في الوظيفة على هذا النحو فهل يكفل له القانون وسيلة للحصول عليه؟ وأجاب على ذلك بأنه ليس في القانون ولا في الدستور الأمريكي ما يسمح بإعفاء أية جهة تنفيذية مهما بلغت درجتها في السلم الإداري من الخضوع للقانون واحترام الحقوق المكتسبة ، أما السؤال الثالث – فهو ينصب على ما إذا كان أمر التنفيذ الذي لجأ إليه ماربوري هو الوسيلة المقررة قانونا لحماية صاحب الحق في مثل هذه الحالة؟ وردت المحكمة على ذلك بأنه ولئن كان هذا الأمر لا يجوز أن يتخذ وسيلة لحمل الإدارة على استعمال سلطتها التقديرية على نحو معين ، إلا أن العبرة ليست بصفة الموظف الذي يوجه إليه الأمر ، وإنما هي بطبيعة الواجب الذي يطلب إليه أداؤه فما دام هذا الواجب محددا ومقيدا فلا غضاضة من إلزامه بأدائه عن طريق الأمر القضائي ، ورابع هذه الأسئلة وآخرها- هو الحاسم في الدعوى والذي توصل مارشال عن طريقه إلى التخلص من المأزق الذي وجدت المحكمة نفسها فيه ، ومؤداه أنه إذا كان الأمر القضائي هو الوسيلة المناسبة لحماية حق ماربوري في هذه الدعوى فهل تختص المحكمة العليا بمنح هذا الأمر أم أنه يخرج عن اختصاصها؟

ولقد أثار مارشال دهشة خصومه وأنصاره معا بإجابته سلبا على هذا السؤال الأخير حيث أنكر على المحكمة العليا هذا الحق ، وفوت على خصومه فرصة التحدي الذي توقعوه ليثبتوا على المحكمة موقفها العدائي وتدخلها في أعمال السلطات الأخرى ، وقرر إلى جانب ذلك – وهذا ما يهمنا هنا – أخطر سابقة دستورية عرفها النظام الأمريكي وهي حق القضاء في الامتناع عن تطبيق القوانين التي يرى تعارضها مع الدستور ، وذلك عندما خلص إلى أن الفقرة 13 من قانون النظام القضائي لسنة 1789 والتي تخول المحكمة العليا الاختصاص بإصدار الأوامر القضائية بصفة أصلية أو ابتدائية ، تتعارض مع نص المادة الثالثة من الدستور التي تحدد الاختصاص الابتدائي والاستئنافي للمحكمة العليا حيث نصت الفقرة الثانية منها بعد ما عددت المسائل التي تختص بها المحكمة العليا ابتدائيا ، أنه في سائر المسائل الأخرى المذكورة في صدر الفقرة الثانية يكون للمحكمة اختصاص استئنافي فيما يتعلق بالوقائع والقانون ، إلا ما يستثنيه الكونجرس من ذلك ووفقا لتنظيمه لهذا الاستثناء ، ومفاد ذلك كما يقول مارشال أن المحكمة تختص بالمسائل المذكورة في صدر المادة اختصاصا استئنافيا فقط أما حق الكونجرس في الاستثناء فمؤداه أن يحرم المحكمة من بعض صور هذا الاختصاص الاستئنافي ، ولا يعني أن له توسيع اختصاصها بجعله اختصاصا ابتدائيا في بعض هذه المسائل ، وانتهى بذلك إلى أن الفقرة 13 من قانون النظام القضائي المشار إليه تتضمن محاولة غير جائزة لتوسيع الاختصاص الابتدائي للمحكمة العليا خلافا للنص الدستوري السابق ذكره .

وقد أستند القاضي جون مارشال فيما انتهى إليه بهذا الحكم من تقرير حق المحاكم بممارسة رقابة دستورية القوانين على الحجج الأربعة التالية([13]) :

  1. أن الدستور إما أن يكون قانونا أعلى مستعصيا على التعديل بالوسائل التشريعية العادية وإما أن يكون في مستوى واحد مع التشريعات العادية بحيث يعدل بالوسائل التي تعدل بها تلك التشريعات ، فإن كانت الأولى فقد تعين القول بأن ما تصدره الهيئة التشريعية من أعمال مخالفة للدستور لا يمكن أن تكون قانونا على الإطلاق ، وإن كانت الأخرى فإن فكرة الدساتير المكتوبة تكون حينئذ عبثا تضيع به الشعوب أوقاتها محاولة عن طريقه أن تقيد سلطة تستعصي بطبيعتها عن التقييد .
  2. أنه إذا كان القانون الذي تتجاوز به السلطة التشريعية حدودها الدستورية لا يمكن اعتباره قانونا بالمفهوم الدستوري السليم ، فإنه إذا حدث وتناول القضاء مشكلة قانونية معروضة عليه يتنازعها نصان متعارضان أحدهما دستوري والآخر عادي ، فلا شك أن على القضاء أن يغلب الدستور باعتباره القانون الأساسي الذي يشغل الدرجة الأعلى والأسمى في البناء القانوني ويطبقه في الخصومة ضاربا صفحا عن كل نص تشريعي أدنى مخالف له .
  3. أن الدستور يوجب على القضاة عند تولى مناصبهم أن يقسموا يمينا على احترام نصوصه وأحكامه ، فكيف يتأتى أن يجبروا على أداء هذا القسم ثم يطالبوا بعد ذلك بتجاهل تلك النصوص والأحكام بل وإهدارها إذا تعارضت مع نصوص تشريعية دونها في المرتبة ، فإقفال المجال الدستوري في وجه القضاة بحرمانهم من رقابة دستورية القوانين يهدر كل قيمة لهذا القسم ويجعل منه سخرية كبيرة .
  4. أن نصوص الدستور الأمريكي نفسها تدعم حق القضاء في ممارسة هذه الرقابة ، فالمادة الثالثة منه تقضي بامتداد اختصاص السلطة القضائية بنظر كافة المنازعات التي تنشأ في ظل الدستور ، ومن غير المعقول أن يكونوا من صاغوا هذه المادة قد قصدوا مع ذلك أن يتجاهل القضاء نصوص الدستور نفسها عند ممارسة وظيفته القضائية ، بالإضافة إلى أن واضعي الدستور حينما أرادوا أن يبينوا القانون الأعلى للبلاد ، قد قدموا ذكر الدستور على القوانين العادية وعلى المعاهدات الدولية التي تعقدها الولايات المتحدة في ظل الدستور ، مما يكشف عن مكانة الدستور في ذروة البناء القانوني للدولة .

ويعد هذا الحكم الأول من نوعه في أمريكا الذي قضى بعدم دستورية قانون من القوانين الاتحادية([14]) وكرس بذلك مبدأ الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية الذي بات مبدأ ثابتا منذ تاريخ صدور هذا الحكم في النظام الدستوري الأمريكي ، حيث يحق لأي محكمة في التنظيم القضائي الأمريكي الامتناع عن تطبيق القوانين المخالفة للدستور باعتبار أن الدستور هو القانون الأسمى الذي يجب تغليبه على ما عداه من أعمال قانونية تكون متعارضة معه ، وهو ما يدخل في صميم الوظيفة القضائية ، إذ لا يمكن أن تستوي القوانين العادية وما يدنوها من أعمال قانونية مع نصوص الدستور ، وذلك لاختلاف الطريقة التي يتم بها إنشاء الدستور وتعديله عن الطريقة التي يتم بها سن القوانين العادية وتعديلها ، بما يترتب على ذلك من نتائج أهمها أن التشريعات وسائر الأعمال القانونية في الدولة لا تكتسب مشروعيتها إلا إذا صدرت في حدود الدستور .

وهكذا كتبت المحكمة العليا الاتحادية بخط يد رئيسها القاضي الفذ جون مارشال شهادة ميلاد الرقابة القضائية على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال حكمها الشهير في قضية ماربوري ضد ماديسون ، وتتابعت أحكامها بعد ذلك في ذات الاتجاه مؤكدة ممارسة هذا النوع من الرقابة على دستورية القوانين ، وهو ما شجع المحاكم الأخرى على سلوك ذات السبيل في حدود ما تختص به من منازعات ، دون أن يخل ذلك بحق المحكمة العليا الاتحادية في التعقيب على تلك الأحكام بوصفها المحكمة الأعلى في التنظيم القضائي الأمريكي الذي يعود إليها وحدها توحيد تطبيق وتفسير القانون في أمريكا ، ولكن كيف يتأتى تحريك هذه الرقابة ، ذلك ما نعالجه حالا .

(ثانيا)طرق تحريك الرقابة الدستورية في أمريكا:

هناك ثلاث طرق لتحريك الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية وهي: طريق الدفع الفرعي ، وطريق الأمر القضائي ، وطريق الحكم التقريري ، ونتناول فيما يأتي بيان كل طريق منها في فقرة مستقلة .

1 )     طريق الدفع الفرعي :

يعد طريق الدفع بعدم دستورية القانون هو الطريق الرئيسي لتحريك الرقابة الدستورية في أمريكا ، وهو يفترض وجود دعوى – أيا كان موضوعها – منظورة أمام إحدى المحاكم ، فيدفع أحد أطرافها بعدم دستورية القانون المراد تطبيقه على موضوعها ، ويعود الاختصاص لهذه المحكمة بفحص دستورية القانون المطعون بعدم دستوريته باعتباره دفعا متفرعا عن الدعوى المعروضة عليها ، فإذا تبين للمحكمة أن القانون المدفوع بعدم دستوريته مخالفا للدستور امتنعت عن تطبيقه على موضوع الدعوى المنظورة أمامها وفصلت فيها تبعا لذلك([15]).

وواضح هنا أن رقابة المحكمة المدفوع أمامها بعدم الدستورية هي رقابة امتناع ، حيث يظل القانون غير الدستوري قائما من الناحية النظرية حتى يلغيه المشرع صراحة ، إلا أن الآثار العملية الناتجة على الامتناع عن تطبيقه تتشابه مع آثار الحكم بإلغائه ، وذلك بفضل السوابق القضائية المعمول بها في الدول ذات النظام الأنجلوسكسوني ومن بينها الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن مقتضاه أن كل محكمة تتقيد بالحكم الذي أصدرته ، وتتقيد به كذلك المحاكم الأدنى درجة منها ، فإذا أصدرت المحكمة العليا الاتحادية حكما بعدم دستورية قانون ما ، فإن جميع المحاكم سوف تتقيد بحكمها وتمتنع عن تطبيق هذا القانون ، ويصل القانون في هذه الحالة إلى درجة الإلغاء من الناحية الواقعية([16]).

ولما كانت المادة الثالثة من الدستور الأمريكي قد قصرت اختصاص السلطة القضائية على نظر المنازعات والخصومات ، فمن ثم يشترط لقبول الدفع بعدم الدستورية ما يلي([17]):

  1. أن تكون هناك خصومة حقيقية لا نظرية أو افتراضية ، فلا يجوز أن يتصل العمل القضائي بغير القضايا الواقعية ، كما لا يقبل الدفع بعدم الدستورية غير المنتج وهو الذي لا يكون له أي أثر على الخصومة القائمة ، وهذا ما قررته المحكمة العليا الاتحادية في حكمها الصادر عام 1943 عندما رفضت الدعوى على أساس أن العقوبة المطعون بعدم دستوريتها قد تم تنفيذها فعلا .
  2. أن تتوافر المصلحة الشخصية المباشرة لدى مبدي الدفع بعـدم الدستورية ، بأن يثبت أن القانون المدفوع بعدم دستوريته قد سبب له ضررا شخصيا مباشرا واقعا بالفعل أو وشيك الوقوع ، ولا يكفي في ذلك القول بأنه مهدد على نحو عام غير محدد بضرر يشاركه فيه عامة الناس ، وهو ما قضت به المحكمة العليا الاتحادية في حكمها الصادر عام 1937 بأنه ليس لمحام أمام المحكمة العليا أن يطعن في تعيين عضو بالمحكمة العليا .

2 )     طريق الأمر القضائي :

طريق الأمر القضائي هو ثاني طرق تحريك الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو يتحقق في حالة ادعاء أحد الأشخاص عدم دستورية قانون ما ، وأن تطبيق هذا القانون عليه سيؤدى إلى إلحاق الضرر به ، فيطلب الشخص من المحكمة أن تصدر أمرا قضائيا إلى الموظفين المكلفين بتنفيذ ذلك القانون لمنعهم من تنفيذه عليه ، وإلا تعرضوا لعقوبة جنائية ، وقد طورت المحاكم الأمريكية هذا الأسلوب بإضافة صورة أخرى إليه تتمثل في مطالبة المحكمة إصدار أمر قضائي لأحد موظفي السلطة التنفيذية ليقوم بعمل معين لصالح أحد الأفراد استنادا إلى سبق الحكم بعدم دستورية قانون له علاقة بذلك العمل ، مثل رد رسوم إلى ممول كان قد دفعها بناء على قانون سبق وأن قررت المحكمة عدم دستوريته([18]).

ويفترق طريق الأمر القضائي بالمنع عن طريق الدفع الفرعي بعدم الدستورية في أن الطريق الأول يتم من خلال مبادرة الأشخاص إلى مهاجمة القانون المدعى بعدم دستوريته دون انتظار تطبيقه عليهم ، فهو بذلك يعد وسيلة هجومية يتم بها توقي الضرر الذي سينجم عن تنفيذ هذا القانون ، بينما طريق الدفع الفرعي لا يتم إلا من خلال دعوى منظورة أمام القضاء من قبل الأشخاص الذين يراد تطبيق القانون المشكوك في دستوريته عليهم بما يلحق بهم نتيجة ذلك من ضرر ، فهو بذلك يعد وسيلة دفاعية ، ومن هنا تبدو مزية وأهمية طريق الأمر القضائي بالمنع لما يحققه من ضمانات أوفر .

وبالنظر إلى إفراط الأشخاص في اللجوء لطريق الأمر القضائي بالمنع  وإسراف المحاكم في إصدار هذه الأوامر ، وما أدى إليه ذلك من تعطيل نفاذ قوانين كثيرة ، فقد سن الكونجرس في عامي 1910 ، 1937 قانونين تم بمقتضاهما تنظيم استخدام طريق الأمر القضائي وضمان حسن ممارسته ، وذلك بقصر الاختصاص بإصداره على محكمة اتحادية خاصة تشكل من ثلاثة قضاة ويجوز الطعن في أحكامها أمام المحكمة العليا الاتحادية مباشرة([19]).

ويلاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفرد بطريق الأمر القضائي كوسيلة لتحريك الرقابة على دستورية القوانين ، وهذا الطريق يقترب إلى حد كبير من طريق الدعوى الأصلية المباشرة من حيث إنه إجراء هجومي ضد القانون المدعى بعدم دستوريته([20]).

3 )     طريق الحكم التقريري :   

يعد طريق الحكم التقريري آخر طرق تحريك الرقابة على دستورية القوانين التي عرفتها الولايات المتحدة الأمريكية ، ويتحقق استعماله عندما يختلف طرفي أي علاقة قانونية بشأن الحقوق والالتزامات المتبادلة بينهما ، فيلجا أحدهما إلى القضاء مستندا إلى ما يدعيه من تعارض بين القانون المنظم لهذه الحقوق والالتزامات وبين نصوص الدستور ، ليطلب إلى المحكمة تقرير ما إذا كان القانون المراد تطبيقه دستوري أم غير دستوري ، فإن قررت المحكمة دستورية القانون تم تطبيقه وإن قررت عدم دستوريته امتنع تطبيقه بهذا الصدد([21]).

ويختلف طريق الحكم التقريري عن طريق الدفع الفرعي بعدم الدستورية ، في أنه لا يقدم من خلال دعوى منظورة أمام القضاء ، بل يرفع استقلالا عن أية دعوى وهو يماثل في ذلك إلى حد كبير طريق الدعوى الأصلية المباشرة ، كما يختلف عن طريق الأمر القضائي بالمنع ، في أنه لا يشترط فيه أن يكون هناك ضرر وشيك الوقوع يراد تفاديه ، ويختلف طريق الحكم التقريري كذلك عن طريقي الدفع الفرعي والأمر القضائي في أنه يخلو من عنصر الإلزام بالتنفيذ الذي يعد أحد العناصر الأساسية للأحكام القضائية ، الأمر الذي ترتب عليه تردد المحكمة العليا الاتحادية في الأخذ به باعتباره أقرب ما يكون إلى الآراء الاستشارية وأن ولايتها القضائية لا تمتد إلى البت في المسائل النظرية المجردة ، وهو ما أدى بها إلى تضييق نطاق استعماله كوسيلة لتحريك الرقابة على دستورية القوانين ، إلا أنها قد تخلت عن ترددها بهذا الخصوص منذ عام 1936 نتيجة لصدور قانون سنة 1934 الذي يخول المحاكم الاتحادية استعمال هذا الطريق في القضايا التي تنطوي على خصومة حقيقية ويكون لما تصدره في هذا الخصوص من أحكام تقريرية قيمة الأحكام القضائية ويجوز الطعن فيها بالاستئناف([22]).

(ثالثا)خصائص الرقابة الدستورية في أمريكا:

الفكرة الأساسية التي تقوم عليها الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية نابعة من الطبيعة الذاتية للوظيفة القضائية بالفصل في كافة المنازعات واحترام قاعدة تدرج القواعد القانونية وإعمال مبدأ سمو أو سيادة الدستور (الاتحادي) على سائر الأعمال القانونية في الدولة ، وبالتالي فإنه من حق كل محكمة في التنظيم القضائي الأمريكي -بل من واجبها- أن تحكم ببطلان النص القانوني المخالف للنص الأعلى منه ، لا سيما إذا ما كان هذا النص الأعلى هو الدستور نفسه ، وذلك دون إخلال بما للمحكمة العليا الاتحادية من يد طولى في مجال الرقابة على دستورية القوانين ، إذ يعود إليها في خاتمة المطاف – سواء بطريق مباشر أو غير مباشر- كقاض استئناف وكقاض نقض أمر توحيد كلمة القضاء الدستوري في أمريكا من خلال ما تقرره من مبادئ ملزمة تمنع التباين والاختلاف المتوقع حدوثه بفعل تعدد وتنوع المحاكم القضائية القائمة بالرقابة الدستورية([23]).

ومما لا جدال فيه أن رصد نتائج الرقابة الدستورية في أمريكا يؤدى إلى الإقرار باختلاط وجهها القانوني بعدة عوامل أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية كان لها انعكاساتها على سائر جوانب الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تضافرت جميعا صوب تحقيق الأغراض الرئيسية من إيجاد هذا النوع من الرقابة القضائية كوسيلة من الوسائل التي كفلت ما يلي :

  • حماية النظام الاتحادي ، والمحافظة على التوازن الذي أقامه الدستور بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات .
  • ضمان التزام الحدود التي أقامها الدستور بين السلطات في الدولة .
  • صون الحريات الفردية من عدوان السلطات العامة عليها([24]).

وبتحليل النموذج الأمريكي للرقابة الدستورية يتبين أن الرقابة التي يمارسها القضاء الأمريكي- بمختلف محاكمه- وعلى رأسها المحكمة العليا الاتحادية ، يمكن وصفها بالرقابة ذات البعد السلبي حيال القوانين التي يتقرر تعارضها مع نصوص الدستور ، حيث لا يتم القضاء ببطلانها أو بإلغائها ، وإنما كل ما هنالك أنه إذا تبين له تعارضها مع الدستور يمتنع عن تطبيقها في خصوص النزاع المعروض عليه ، مؤثرا في ذلك طاعة النصوص الدستورية على التزام أوامر المشرع التي تخالفها وتخرج عن حدودها([25]).

وبهذه المثابة صنفت الرقابة على دستورية القوانين في أمريكا بأنها رقابة امتناع تمييزا لها عن رقابة الإلغاء أو إبطال القوانين غير الدستورية ، ومن الآثار المترتبة على هذا النوع من الرقابة([26]):

  • أن الحكم الصادر بالامتناع عن تطبيق قانون ما لمخالفته للدستور ، لا يترتب عليه زوال وجود القانون غير الدستوري من المنظومة التشريعية ، حيث يظل هذا القانون قائما – على الأقل من الناحية النظرية- إلى أن يتم إلغاؤه من قبل السلطة التشريعية.
  • أن الحكم الصادر بالامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري ، يكشف عن حقيقته بأنه ليس قانونا بالمعنى الفني لهذا الاصطلاح ، أي أنه من الناحية القانونية منعدم القيمة وكأنه لم يصدر ، ولكن في نطاق خصوصية النزاع المعروض على المحكمة الذي كشف عن تلك الحقيقة.
  • أن الحكم الصادر بالامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري ، ليس له أثر رجعي مطلق ، باعتبار أن الوجود المادي للقانون قبل تقرير عدم دستوريته هو حقيقة واقعية من العسير تجاهلها ، وبالتالي فإن المحكمة العليا الاتحادية رأت أن بقاء هذا الأثر الرجعي دون تقييد يشكل إضرارا بالحقوق المكتسبة والمعاملات المستقرة التي تمت في ظله وقبل تقرير عدم دستوريته .

وعلى ضوء ما سبق فإن النموذج الأمريكي للرقابة على دستورية القوانين يتسم بخصائص ذاتية يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:

  • ‌أ- يتبني النموذج الأمريكي النظام اللامركزي في الرقابة الدستورية ، أي أن هذه الرقابة تمارس مشاعا بين سائر المحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية- أيا كانت درجتها أو نوعها – في حدود اختصاص كل منها ، باعتبار أن ذلك مما يندرج في صميم وظيفتها القضائية([27]) وذلك دون أن نغفل الجهود التي تبذلها المحكمة العليا الاتحادية -بوصفها تتربع على قمة الهرم القضائي في أمريكا- في سبيل توحيد المبادئ والقواعد المتعلقة بالرقابة الدستورية ، وما يلعبه نظام السوابق القضائية من دور بارز في هذا الخصوص حيث لا تستطيع المحاكم الأدنى معارضة ما تنتهي إليه المحكمة الاتحادية العليا من قضاء ، لأن الأمر في النهاية سيؤول إليها من خلال الطعن على  الأحكام المخالفة لذلك القضاء .
  • ‌ب- ينتمي النموذج الأمريكي لنظام رقابة الامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري ، حيث لا تقضي المحاكم بإلغاء أو إبطال القانون غير الدستوري وإنما هي تمتنع فقط عن تطبيقه بصدد النزاع المعروض عليها ، بحيث يظل هذا القانون -رغم تقرير عدم دستوريته- قائما ضمن المنظومة التشريعية -على الأقل من الناحية النظرية- إلى أن تتولى السلطة التشريعية إلغاؤه .
  • ‌ج- يعتنق النموذج الأمريكي نظام الرقابة القضائية اللاحقة على الدستورية حيث تضطلع السلطة القضائية بممارسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين النافذة والمعمول بها ، وذلك من خلال ما يطرح أمامها من أوجه النزاع حول دستوريتها بمناسبة تطبيقها وفقا للأساليب المتبعة في هذا الشأن ، بحسبان أن ذلك يعد جزءا طبيعيا من الوظيفة الأصلية للقضاء بتعيينه القانون الواجب التطبيق على النزاع وتغليبه القانون الأعلى على القانون الأدنى في حالة تعارضهما ، وذلك وفقا لمبدأي سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية([28]).
  • ‌د- يضفي النموذج الأمريكي على الأحكام الصادرة في المسائل الدستورية الحجية النسبية وليست المطلقة – كقاعدة عامة- حيث تقتصر حجيتها على أطرافها وفي نطاق النزاع المتعلقة به ، مع الأخذ في الاعتبار ما يحدثه نظام السوابق القضائية من أثر بهذا الخصوص قد يقلب تلك الحجية إلى مطلقة .
  • ‌ه- يقيد النموذج الأمريكي الأثر الرجعي المطلق للأحكام الصادرة بعدم الدستورية ، حيث يرفض إطلاق هذه الرجعية والارتداد بها إلى تاريخ نفاذ القانون الذي تقرر عدم دستوريته وإنما هو يقيد الأثر الرجعي لأحكامه  التي تصدر بهذا الصدد بالحقوق المكتسبة والمعاملات المستقرة ، استنادا إلى نظرية الأوضاع الظاهرة ومبدأ حسن النية في التعامل([29]).

وهكذا أمكن للقضاء الأمريكي وعلى رأسه المحكمة الاتحادية العليا أن يضع مبدأي سمو الدستور وتدرج القواعد القانونية في محك التطبيق العملي من خلال تكريس الرقابة القضائية اللاحقة على دستورية القوانين ولو بطريق الامتناع ، حتى أضحت هذه الرقابة منارة في سماء الأنظمة الدستورية يتم الاقتداء بها والاهتداء إليها .

 

المبحث الثاني

النموذج الفرنسي

إذا كانت أمريكا تعتبر مهد الرقابة القضائية على دستورية القوانين على ما مر بنا عند دراسة النموذج الأمريكي ، فإن فرنسا تعد الموطن الأم للرقابة السياسية على دستورية القوانين ، فقد أستقر القضاء الفرنسي العادي والإداري منذ عهد بعيد على عدم مباشرته الرقابة على دستورية القوانين ، ولا يجد هذا المسلك أي تبرير إلا استنادا إلى الاعتبارات التاريخية وبعض الأفكار والمفاهيم الخاطئة التي سادت في فرنسا ، ومن بينها مبدأ الفصل بين السلطات ، وفكرة أن القانون هو المعبر عن الإرادة العامة وبالتالي فلا يجوز إخضاع هذه الإرادة لرقابة القضاء ، وذلك على الرغم مما يتضمنه هذا المسلك من تناقض واضح مع الإقرار في فرنسا بسمو القواعد الدستورية عما عداها من قواعد قانونية([30]) ومع هذا فإن تطور الرقابة الدستورية في فرنسا قد أفضى إلى جعلها أقرب ما تكون إلى الرقابة القضائية منها إلى الرقابة السياسية على النحو الذي سنعالجه بشيء من الإيجاز غير المخل في الفقرات القادمة :

(أولا)  نشأة الرقابة الدستورية في فرنسا:

اقترح الفقيه الفرنسي سيس Sieyesعلى واضعي دستور السنة الثالثة للجمهورية عام 1795 إنشاء هيئة سياسية من محلفين يتم تعيينهم لأول مرة عن طريق الجمعية التأسيسية ثم تتولى الهيئة تعيين أعضائها بنفسها بعد ذلك ، ليعهد إليها بمهمة مطابقة القوانين للدستور والحق في إلغاء القوانين غير الدستورية باعتبار أن هذا الأمر – كما يرى سيس- هو النتيجة الطبيعية التي تترتب منطقيا على التمييز بين السلطتين التأسيسية والتشريعية ، وقد تم رفض هذا الاقتراح والاعتراض عليه بشدة من قبل واضعي الدستور خشية من أن تصبح الهيئة المذكورة سلطة فوق السلطات وأداة للتحكم والاستبداد ، وفي الواقع فإن هذا الاعتراض كان ينصب أساسا على مبدأ الرقابة الدستورية في ذاته ، وذلك لتشبع الفقه الفرنسي بفكرة سيادة الإرادة العامة وعدم إخضاع القوانين بوصفها تعبيرا عن الإرادة العامة لأي نوع من الرقابة([31]).

بيد أن اقتراح سيس- في المحاولة الثانية- وجد آذانا صاغية لدى واضعي دستور السنة الثامنة للجمهورية عام 1799 حيث كان مشاركا في وضعه ، فنص هذا الدستور على إنشاء أول هيئة للرقابة السياسية على دستورية القوانين في فرنسا أطلق عليها أسم((مجلس الشيوخ المحافظ أو الحامي للدستور))الذي تم تخويله سلطة تقرير عدم دستورية القوانين المخالفة للدستور قبل إصدارها وذلك بناء على طلب من الحكومة أو المجلس النيابي ، وبالنظر إلى عدم تمتع أعضاء هذا المجلس بالاستقلال الحقيقي وخضوعهم التام للإمبراطور لويس نابليون سواء من حيث التعيين أو العطايا ، فضلا عن عدم فعالية الآلية التي يتم بها إحالة مشروعات القوانين إليه ،فلم يكن من المتصور أن تحيل الحكومة قانون معين إلى المجلس وهو في صالحها ، كما أنه ليس من المعقول أن يقوم البرلمان بذلك للأذى الذي يلحقه جراء مباشرة هذه الرقابة ، وكان من نتيجة ذلك أن المجلس لم يكن حاميا للدستور كما أريد له ، وإنما صار أداة طيعة في يد نابليون الذي استغله وسخره في التلاعب بأحكام الدستور وفقا لرغباته ، وهو ما أدى إلى فشل هذه التجربة فشلا ذريعا([32]).

وقد تكررت نفس التجربة في ظل دستور سنة 1852 بصورة لا تختلف كثيرا عما كان الوضع عليه في السابق ، حتى قيل بأن هذا الدستور طبعة ثانية من دستور السنة الثامنة ، وقد ثبت فشل هذه التجربة أيضا لذات الأسباب التي أدت إلى عدم نجاح التجربة الأولى ، وهي سيطرة الإمبراطور على المجلس وإخضاعه لأهوائه وطلباته لدرجة أن المجلس لم يقرر طوال فترة وجوده عدم دستورية أي قانون([33]).

وإزاء هاتين التجربتين غير المشجعتين للرقابة الدستورية في فرنسا
-ولو بواسطة هيئة ذات طابع سياسي وبنظام الرقابة السابقة-صدر دستور الجمهورية الثالثة لسنة 1875 -الذي جاء موجزا حيث لم تتعد نصوصه 43 مادة-خاليا من أي ذكر لمسألة الرقابة على دستورية القوانين ، ويبرر الفقه سكوت هذا الدستور عن التعرض للرقابة الدستورية بأن ذلك مرده إلى فشل هذه الرقابة في ظل الدستورين السابقين ، حيث لم تحقق أي جدوى عملية ، بل إنها قد أدت إلى فقد الثقة في الرقابة على دستورية القوانين بواسطة هيئة سياسية ، وهي قد كانت مفقودة في الأصل عن طريق القضاء([34]).

وعلى الرغم من ذلك فقد أعاد دستور الجمهورية الرابعة لسنة 1946 من جديد فكرة إيجاد جهة تتولى مهمة الرقابة الدستورية ، فقرر إنشاء هذه الجهة وأطلق عليها مسمى ((اللجنة الدستورية))ونص على أن تتألف من ثلاثة عشر عضوا برئاسة رئيس الجمهورية وعضوية رئيسي مجلس النواب ومجلس الشيوخ وعشرة أعضاء يتم اختيارهم من قبل هذين المجلسين من غير
أعضائهما ، وبهذه المثابة فقد اصطبغت هذه اللجنة بالصبغة السياسية البحتة ، وتأثرت بالانتماءات الحزبية لأعضائها الذين يتم اختيارهم على أساس التمثيل النسبي للأحزاب في الهيئات السياسية ، مما أفقدها ما يفترض أن تكون عليه من حيدة وتجرد واستقلال ، فأصبحت بذلك امتدادا طبيعيا للبرلمان والأحزاب السياسية([35]).

كما أن اختصاص هذه اللجنة بالرقابة السابقة على دستورية القوانين
لا ينعقد إلا بناء على طلب مشترك موقع من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشيوخ بموافقة أغلبية أعضاء هذا المجلس وذلك قبل إصدار القانون([36]) وتبدأ اللجنة مهمتها بمحاولة وضع حد للخلاف القائم بين مجلسي البرلمان حول القانون المعروض عليها ، فإن لم تفلح في التوفيق بين المجلسين مضت إلى فحص القانون للوقوف على مدى مطابقته للدستور ، فإذا تبين لها أن القانون مخالف للدستور ويتضمن تعديلا للدستور ردته إلى البرلمان لإعادة النظر فيه ، وهنا إما أن يقتنع البرلمان برأي اللجنة فيعدل القانون بما يتفق مع أحكام الدستور ، وإما أن يصر على موقفه السابق ولا يقبل تعديل القانون ، وعندئذ لا يصدر هذا القانون إلا بعد تعديل الدستور ليكون متفقا مع القانون ، وهكذا انقلبت الأوضاع فتجرد الدستور من سموه وأنتقل إلى القوانين العادية ، وأصبح المقصود من هذه الرقابة هو جعل الدستور متمشيا مع القانون وليس جعل القانون متمشيا مع أحكام الدستور  وفضلا عن هذا الوضع الشاذ فقد كانت رقابة اللجنة الدستورية مقصورة على القوانين ذات الأهمية الضئيلة للمواطنين إذ لم تكن تباشر إلا بصدد الأبواب العشرة الأولى من الدستور ، ولا تشمل بذلك الحقوق الأساسية للأفراد الواردة بمقدمة الدستور ، وقد أعلن غالبية الفقه الفرنسي نقده الشديد لتنظيم الرقابة الدستورية على هذا النحو ، ووصفوها بأنها رقابة وهمية عديمة الجدوى ، غريبة التنظيم وعجيبة الآثار([37]).

وبصدور دستور الجمهورية الخامسة لفرنسا في 1958.10.04 الذي
لا يزال ساريا حتى الآن ، خطا المشرع الدستوري الفرنسي خطوات أكثر عمقا وأدق تنظيما وأوسع مدى في تكريس الحقوق الأساسية والحريات العامة ، وكان من أهم ما تضمنه بهذا الخصوص الحد من سلطة البرلمان وتقوية السلطة التنفيذية ، وعدم المغالاة في فهم فكرة الإرادة العامة ، وأرسى بذلك مبدأ الرقابة الدستورية (السابقة) بشكل جدي من شأنه تفادى فشل التجارب السابقة ، والتي إن بدت في أول مراحلها رقابة محدودة وغير فاعلة ، لكنها في آخر مراحلها تطورت إلى حد كبير جعلها أكثر اتساعا وأشد فعالية .

فلقد أفرد الدستور الفرنسي لعام 1958 مواد بابه السابع (من 56 إلى 63) لتنظيم الجهة القائمة على الرقابة الدستورية ،فقرر إنشاء مجلس دستوري أسند إليه الاختصاص بالرقابة السابقة على دستورية القوانين ، بالإضافة إلى اختصاصه ببعض المسائل الأخرى([38])ونص في المادة ( 56 ) منه على أن يتكون هذا المجلس من تسعة أعضاء مدة عضويتهم تسع سنوات غير قابلة للتجديد  ويتم تجديد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات ، وهؤلاء الأعضاء التسعة يتم تعيينهم بالتساوي بين رئيس الجمهورية ورئيس الجمعية الوطنية (مجلس النواب) ورئيس مجلس الشيوخ ، ويضم المجلس علاوة على الأعضاء المعينين أعضاء آخرين بحكم القانون هم رؤساء الجمهورية السابقون ، ويعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس الذي يتم اختياره غالبا من بين الأعضاء الذين يعينهم بنفسه([39])ويكون لرئيس المجلس صوت مرجح عند تساوى الأصوات .

ويتضح من هذا النص أن المجلس الدستوري يضم طائفتين من الأعضاء ، تتمثل الأولى في الأعضاء بحكم القانون وهم رؤساء الجمهورية السابقون ، وتشمل الثانية الأعضاء المعينون وهم الذين يتم تعيينهم من السلطات العليا في الدولة ، بالإضافة إلى رئيس المجلس الذي يعين من قبل رئيس الجمهورية ويحظى بوضع خاص بين أعضائه([40]) وبهذه المثابة فإن تشكيل المجلس الدستوري يتسم بالطابع السياسي البحت ، شأنه في ذلك شأن تنظيمات الرقابة على دستورية القوانين في الدساتير الفرنسية الأنف ذكرها([41]).

ثم حدد الدستور الفرنسي لعام 1958 والقانون الأساسي الصادر بمقتضاه في 1958.11.07 بشأن تنظيم المجلس الدستوري اختصاصات المجلس في مجال الرقابة الدستورية وكيفية تحريك هذه الرقابة والإجراءات التي يسير على هديها في إصدار قراراته بهذا الخصوص حيث تبنى نظام الرقابة السابقة على دستورية القوانين ، وجعل هذه الرقابة بالنسبة لبعض القوانين التي نص عليها حصرا تتم على سبيل الوجوب ،بينما جعل الرقابة بالنسبة لبعضها الآخر يتم على سبيل الجواز أو الاختيار ، ورهن الحق في تحريك هذه الرقابة الدستورية السابقة سواء الوجوبية أو الاختيارية بطلب من السلطات العامة ، وخول التعديل الدستوري الصادر في 1974.10.29 هذا الحق أيضا لستين عضوا على الأقل من أي من مجلسي البرلمان على ما سنأتي على شرحه لاحقا.

وإذا كان تنظيم الرقابة الدستورية الذي أتى به الدستور الفرنسي لعام 1958 المعدل سنة 1974 يعتبر أفضل نسبيا من التنظيمات التي أوردتها الدساتير الفرنسية التي سبقته على ما تقدم بيانه ، إلا أنه مع ذلك لم يسلم من سهام نقد الفقه الفرنسي سواء من ناحية الطابع السياسي للجهة القائمة بالرقابة الدستورية مما يؤدى إلى عدم ضمان استقلالها ، أو من ناحية قصر تحريك هذه الرقابة على السلطات العامة وحدها دون الأفراد مما يضيق من نطاق هذه الرقابة ويضعف من دورها في حماية الحقوق الأساسية والحريات العامة([42])
أو من ناحية تبني نظام الرقابة السابقة على القانون قبل إصداره ، والذي إن كانت له فائدة وقائية تضمن قيام القوانين على أسس دستورية وتحقق نوعا من الأمن القانوني ، إلا أنه لا يواجه العيوب الدستورية للقانون الذي يكشف عنها التطبيق العملي وهو ما يتعذر مواجهته بغير الرقابة اللاحقة([43]).

وأمام سهام هذا النقد والتطور الحاصل في النظم الديمقراطية الحديثة ، وتنامي منظومات حقوق الإنسان ، ورسوخ مبدأ الرقابة على دستورية القوانين في الأنظمة القانونية المختلفة ، سعت فرنسا نحو تحديث مؤسسات الجمهورية الخامسة ومن بينها المجلس الدستوري الذي أثبت نجاحه وقيامه بدور لا يستهان به في النظامين السياسي والقانوني الفرنسي بفضل ما أرساه من مبادئ في قراراته ، حيث تقدم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران عام 1990 بمشروع لتعديل دستور 1958 يتضمن تخويل المجلس الدستوري الاختصاص بالرقابة اللاحقة على دستورية القوانين عن طريق الدفع من قبل الأفراد([44]) وذلك بالإضافة إلى اختصاصه بالرقابة السابقة ، إلا أنه لم تتوافر الأغلبية البرلمانية التي يتطلبها الدستور لإقرار هذا التعديل وهي ثلاثة أخماس أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين في هيئة مؤتمر([45]).

وفي الحملة الانتخابية للرئيس نيكولا ساركوزي عام 2007 أبدى عزمه على قيادة التعديل الثالث والعشرين لدستور الجمهورية الخامسة لسنة 1958 الذي يصب في مسعى تحديث مؤسسات الجمهورية الفرنسية ، وفور وصوله قصر الإليزيه شرع في تنفيذ وعده الانتخابي بتكليف مجموعة من السياسيين والقانونيين ذوي الخبرة الواسعة في المجال الدستوري لبلورة التعديل الدستوري المقترح والذي تم إقراره والموافقة عليه من قبل البرلمان الفرنسي بغرفتيه وصدر برقم 724/2008 في تاريخ 2008.07.23 -وهو يتضمن ذات المشروع الذي سبق وأن تقدم به الرئيس فرانسوا ميتران عام 1990-([46]) ويعتبر هذا التعديل هو الأبرز والأهم على الإطلاق الذي أجري على دستور 1958 وتمثل إضافة المادة ( 61/1 ) العصب الجوهري لهذا التعديل ، والتي دخلت حيز النفاذ اعتبارا من تاريخ 2010.03.01 بعد صدور القانون الأساسي رقم 1523/2009 في 2009.12.10 وبعض المراسيم التي تبين آلية تطبيقها([47]) وتأتي أهمية هذه المادة المضافة من حيث منحها الأشخاص الطبيعية والاعتبارية- ولأول مرة في تاريخ التنظيم الدستوري الفرنسي- الحق في الطعن المباشر على دستورية القوانين أمام القضاء- العادي أو الإداري – عن طريق الدفع([48]).

وبهذا التعديل الدستوري اكتملت في فرنسا دائرة الرقابة على دستورية القوانين أمام المجلس الدستوري ، والذي أتسم بالخصائص الآتية([49]):

  • تحريك الرقابة على دستورية القوانين بطريق الدفع أمام جهات القضاء.
  • تبني نظام الرقابة الدستورية اللاحقة على صدور القانون .
  • تقرير حق الأشخاص الطبيعية والاعتبارية في الطعن بعدم الدستورية.

(ثانيا)طرق تحريك الرقابة الدستورية في فرنسا:

بينت المادة ( 61 ) من الدستور الفرنسي لسنة 1958 المعدلة عام 1974اختصاصات المجلس الدستوري في مجال الرقابة على دستورية القوانين ، وجعلت تحريك هذه الرقابة يتم لصالح السلطات العامة وبصورة سابقة عن صدور العمل القانوني محل الرقابة ، وذلك إما على سبيل الوجوب بالنسبة لبعض القوانين ، وإما على سبيل الجواز حيال بعض القوانين الأخرى ، ثم نصت المادة ( 61/1) المضافة بمقتضى التعديل الدستوري لسنة 2008 على تخويل المجلس الدستوري اختصاصا آخر يتيح بموجبه للأشخاص الطبيعية والاعتبارية تحريك الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أمام القضاء ، وبذلك فإن تحريك الرقابة الدستورية في فرنسا يجري على الوجه الآتي:

  1. الرقابة السابقة الوجوبية: تحرك الرقابة الدستورية السابقة الوجوبية عن طريق الوزير الأول الذي ألزمه الدستور بأن يعرض على المجلس الدستوري القوانين الأساسية قبل إصدارها وكذلك مشروعات القوانين الاستفتائية قبل طرحها للاستفتاء الشعبي([50])كما يتم تحريك هذه الرقابة أيضا بواسطة رئيسي الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ اللذين ألزمهما الدستور بعرض لوائح مجلسي البرلمان على المجلس الدستوري قبل تطبيقها ، وذلك ليقرر مدى مطابقتها للدستور شكلا ومضمونا ، بحيث إذا قرر المجلس مخالفة أي منها للدستور امتنع وضعها موضع التنفيذ([51])ويجري تحريك الرقابة الدستورية الوجوبية بهذا الخصوص من قبل السلطات المشار إليها على نحو إلزامي وفي جميع الأحوال ، حيث لا يتوقف ذلك على الشك في دستورية تلك القوانين أو اللوائح([52]).
  2. الرقابة السابقة الاختيارية :أجاز الدستور لكل من رئيس الجمهورية والوزير الأول ورئيس أي من مجلسي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) أو ستين عضوا على الأقل من أعضاء الجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ (حسب التعديل الدستوري لسنة 1974)([53])تحريك الرقابة الدستورية السابقة الاختيارية عن طريق إحالة القوانين العادية بعد التصويت عليها نهائيا من البرلمان وقبل إصدارها إلى المجلس الدستوري لتقرير مدى مطابقتها للدستور سواء من حيث الشكل أو المضمون([54]) وذلك في غضون شهر واحد من تاريخ العرض أو الإحالة ، ويقف صدور القانون لحين البث في دستوريته من قبل المجلس([55])فإذا ثبت للمجلس الدستوري أن مشروع القانون المعروض أو المحال لا يخالف الدستور أقره ، ويضع نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية حدا لوقف إصدار القانون ويتعين بالتالي على رئيس الجمهورية إصداره ، أما إذا قرر المجلس عدم دستورية نص في القانون المعروض لا يمكن فصله عن نصوصه الأخرى فيمتنع إصدار القانون برمته ، وإذا قرر المجلس إمكانية فصل النص المخالف للدستور عن بقية النصوص فلرئيس الجمهورية أن يصدر القانون فيما عدا النص المخالف ، أو أن يطلب من البرلمان إعادة النظر فيه([56]).

ويتم اتصال المجلس الدستوري بالدعوى الدستورية التي يتم تحريكها وفقا لنظام الرقابة السابقة- سواء الوجوبية أو الاختيارية -بموجب طلب يرسل إليه من إحدى السلطات المذكورة آنفا دون اشتراط شكلية معينة أو صيغة خاصة، وبمجرد ورود هذا الطلب وإدراجه في السجل المعد لذلك يقوم رئيس المجلس بتعيين أحد أعضائه مقررا في الدعوى ، حيث يتولى المقرر تجميع كافة عناصر الموضوع وإعداد تقرير يضمنه عرضا للوقائع والإشكاليات القانونية المثارة وأوجه الطعن المبداة- إن وجدت – وردوده عليها إيجابا أم سلبا ، ويخلص في النهاية إلى مشروع القرار الذي يراه مناسبا للحكم في الدعوى ، والذي يعد نقطة الانطلاق للفصل فيها من قبل المجلس ، وتحدد بعد ذلك جلسة لنظر الدعوى ويشترط لصحة انعقادها حضور سبعة من أعضاء المجلس على الأقل ، ويصدر قرار المجلس في الدعوى بعد المداولة بالأغلبية البسيطة لأصوات الأعضاء الحاضرين وفي حالة تساوى الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس ، ويشتمل قرار المجلس على منطوقه وأسبابه ، ويوقع من رئيس المجلس وسكرتيره العام ، وينشر في الجريدة الرسمية([57]) وتكون قرارات المجلس في هذا الخصوص نهائية وغير قابلة للطعن بأي وجه من الوجوه أمام أية جهة ، وهي ملزمة لكافة السلطات العامة وجميع الهيئات الإدارية والقضائية في الدولة([58]).

  1. الرقابة اللاحقة بطريق الدفع :أفسح التعديل الدستوري الذي أجري عام 2008 على الدستور الفرنسي لسنة 1958 المجال أمام الأشخاص الطبيعية والاعتبارية لتحريك الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين عن طريق الدفع أمام جهات القضاء- العادي والإداري- فيما أطلق عليه مسمى ((المسألة الدستورية الأولية))التي يرمز إليها اختصارا QPC([59])وذلك وفقا للضوابط الآتية([60]):
  • أن تثار المسألة الدستورية الأولية عند قيام تعارض بين النصوص التشريعية والقواعد الدستورية المتعلقة بالحقوق الأساسية والحريات العامة من قبل أي شخص طبيعي أو اعتباري له مصلحة في ذلك .
  • أن تثار المسألة الدستورية الأولية بطريق الدفع أمام أي محكمة من المحاكم التابعة لمجلس الدولة أو محكمة النقض .
  • أن يتحقق مجلس الدولة أو محكمة النقض من توافر شروط الدفع بعدم الدستورية قبل إحالته إلى المجلس الدستوري .

ويمكن إيجاز الآلية التي يتم بها ممارسة الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين في فرنسا على الوجه التالي :

  • من حيث محل الرقابة ومرجعيتها :

حددت القواعد المنفذة للتعديل الدستوري لسنة 2008 التشريعات التي تخضع للرقابة اللاحقة على دستورية القوانين في فرنسا والمسندة للمجلس الدستوري بأنها القوانين العادية الصادرة من البرلمان ، والقوانين التنظيمية والمراسيم بقوانين التي يصدرها رئيس الجمهورية ويصادق عليها البرلمان ، والقوانين الصادرة عن إقليم كاليدونيا الجديدة الخاضع للسيادة الفرنسية([61]) وذلك إذا تضمن أي منها انتهاكا للحقوق الأساسية أو الحريات العامة التي يكفلها الدستور ، وهذه الحقوق والحريات التي تعد مرجعا للطعن على تلك التشريعات هي الواردة في دستور سنة 1958 وتعديلاته ، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789 ، وديباجة دستور سنة 1946 ، والمبادئ الأساسية المعترف بها في قوانين الجمهورية ، وميثاق البيئة لسنة 2004([62]) ومؤدى هذا التحديد للقواعد الدستورية التي يجوز للخصوم التمسك بها كمرجع للدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم ، أنه لا يجوز لهم – بمفهوم المخالفة- التمسك بغيرها من القواعد الدستورية الأخرى كالقواعد المتعلقة بتوزيع الاختصاصات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية([63]).

  • من حيث تحريك الرقابة اللاحقة :

يتم تحريك الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين في فرنسا عن طريق الدفع بما يطلق عليه ((المسألة الدستورية الأولية)) من قبل أحد أطراف الخصومة – سواء أكان شخصا طبيعيا أم اعتباريا – في دعوى منظورة أمام أية محكمة – مهما كانت درجتها أو نوعها- من المحاكم التابعة لمحكمة النقض أو مجلس الدولة([64]) على أساس أن النص التشريعي المراد تطبيقه على النزاع الموضوعي يتضمن انتهاكا للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور ، وذلك شريطة ألا يكون هذا النص قد سبق للمجلس الدستوري أن قرر دستوريته من قبل ما لم تتغير الظروف([65])وأن يتم إبداء الدفع بعدم الدستورية بموجب مذكرة مكتوبة ومسببة ومنفصلة عن الطلب الأصلي المرفوعة به الدعوى الموضوعية وإلا كان غير مقبول([66])ويخضع تقدير جدية الدفع بالمسألة الدستورية الأولية لسلطة المحكمة المثار أمامها([67]) فإذا انتهت إلى رفضه استمرت في نظر الدعوى ولا يجوز الطعن في قراراها بالرفض إلا مع الحكم الصادر في الدعوى الموضوعية ، وإذا قررت قبول الدفع أحالته إلى المحكمة الأعلى التي تتبعها في التنظيم القضائي (محكمة النقض أو مجلس الدولة)خلال ميعاد ثمانية أيام من تاريخ صدوره ، مع وقف الفصل في الدعوى الموضوعية المنظورة أمامها لحين البث في المسألة الدستورية([68]).

  • من حيث إعادة فحص المسألة الدستورية الأولية:

يقع على عاتق مجلس الدولة أو محكمة النقض([69]) بحسب الأحوال ، واجب التحقق من توافر شروط قبول الدفع بالمسألة الدستورية الأولية ، وذلك من خلال التثبت من جدية وجدة المسألة الدستورية الأولية المدفوع بها ،والتأكد من انطباق النص التشريعي المدفوع بعدم دستوريته على النزاع الموضوعي ، وهو نوع من تنقية أو تصفية الدفوع الدستورية من محكمة أعلى تعد بمثابة قاضي ثان درجة بالنسبة للمسألة الدستورية الأولية حتى لا تتكدس أمام المجلس الدستوري  فإذا قررت أي منهما بعد الفحص توافر شروط قبول الدفع بالمسألة الأولية أحالتها إلى المجلس الدستوري، وإذا قررت عدم توافرها أعادت الأوراق لمحكمة الموضوع ، وحكمها في ذلك يكون مسببا ونهائيا غير قابل للطعن فيه بأي وجه كان ، على أن يصدر هذا الحكم في غضون ثلاثة أشهر من إحالة المسألة الدستورية ، ويترتب على انقضاء هذه المدة دون إصدار قرار بهذا الصدد اعتبار تلك المسألة محالة بقوة القانون إلى المجلس الدستوري ، ويتعين على محكمة النقض أو مجلس الدولة- بحسب الأحوال- أن يشفع قرار الإحالة إلى المجلس الدستوري بمذكرات ومستندات الخصوم في الدعوى الموضوعية ، مع إخطار أطراف الخصومة ومحكمة الموضوع بالقرار الصادر بالخصوص خلال ثمانية أيام من تاريخ صدوره ، وفي حالة تقرير عدم الإحالة يتعين إرسال نسخة من القرار إلى المجلس الدستوري([70]) وفي جميع الأحوال فإنه لا يجوز لأي محكمة أن تثير الدفع بالمسألة الدستورية الأولية من تلقاء نفسها([71]).

  • من حيث دور المجلس الدستوري حيال المسألة الدستورية الأولية:

بمجرد اتصال المجلس الدستوري بالمسألة الدستورية الأولية بقرار الإحالة الصادر عن محكمة النقض أو مجلس الدولة ،فإنه يقوم بإخطار كل من رئيس الجمهورية والوزير الأول ورئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ بذلك ، وإذا كانت المسألة الدستورية الأولية تتعلق بتشريعات إقليم كاليدونيا الجديدة فإنه يتم إخطار رئيس حكومة كاليدونيا الجديدة ورئيسي مجلسي البرلمان والكونجرس في الإقليم، وذلك كي يتسنى لهم إبداء ما يعن لهم من ملاحظات بالخصوص([72]) كما يبلغ أطراف الخصومة بملاحظات هذه السلطات وتمكينهم من تبادل المذكرات في خلال أجل معين ، ثم يحدد المجلس جلسة استماع لممثلي السلطات العامة والأطراف المعنية توطئة لإصدار حكمه في المسألة الدستورية المعروضة ، وذلك كله في غضون الميعاد المقرر قانونا وهو ثلاثة أشهر من تاريخ الإحالة([73]) ويقتصر دور المجلس عند الفصل في المسألة الدستورية الأولية على بحث مدى دستورية النص التشريعي المطعون عليه في حد ذاته ، وما إذا كان يتضمن انتهاكا للحقوق والحريات التي يضمنها الدستور أم لا ، وذلك دون النظر لأثر النص المطعون فيه على حالة الطاعن ، لما تتمتع به أحكام المجلس بعدم الدستورية من حجية مطلقة وقوة ملزمة للكافة وجميع السلطات([74]) ووفقا للقواعد العامة فإن للمجلس الحق في تقرير عدم دستورية أي نص آخر يكون مرتبطا بالنص التشريعي المطعون فيه بشكل لا يقبل الانفصال([75])ولا يترتب على انقضاء الدعوى الموضوعية التي أثيرت بصددها المسألة الدستورية أية نتائج على الفصل في هذه المسألة من قبل المجلس الدستوري تأكيدا لعينية الدعوى الدستورية وإعلاء لنصوص الدستور([76]) وإذا قرر المجلس عدم دستورية النص المطعون فيه ، فإن ذلك يؤدى إلى إلغاء النص وزواله نهائيا من النظام القانوني مع اكتسابه الحجية المطلقة في مواجهة الكافة ، أما إذا قرر المجلس دستورية النص المطعون فيه فإنه يحتفظ بمكانته في النظام القانوني ويجب على المحاكم تطبيقه([77]) ويصدر المجلس قراره مسببا ويكون نهائيا غير قابل للطعن بأي وجه كان ، ويخطر به أطراف الخصومة ومحكمة الموضوع ومحكمة النقض أو مجلس الدولة بحسب الأحوال([78]) ولقد حددت الفقرة الثانية من المادة ( 62 ) المضافة بالتعديل الدستوري لعام 2008 النطاق الزمني للحكم الصادر من المجلس بعدم الدستورية بقولها ((يترتب على الحكم بعدم دستورية النص التشريعي استنادا إلى المادة ( 61/1 ) إلغاء هذا النص اعتبارا من تاريخ نشر حكم المجلس الدستوري ، أو من تاريخ لاحق يحدده هذا الحكم ، ويحدد المجلس الدستوري الشروط والقيود التي يجوز وفقا لها المساس بالآثار التي أحدثها
النص)) ومفاد ذلك أن النطاق الزمني للحكم بعدم الدستورية هو إلغاء النص التشريعي المقضي بعدم دستوريته بأثر مباشر أي من تاريخ نشر حكم المجلس الدستوري في الجريدة الرسمية – كقاعدة عامة- ويجوز للمجلس أن يحدد تاريخا آخر لحكمه بإلغاء النص التشريعي المخالف للدستور ، ويكون هذا التاريخ بالضرورة لاحقا على تاريخ نشر الحكم بالجريدة الرسمية ، كما يجوز للمجلس الدستوري أن يقرر الأثر الرجعي لحكمه بإلغاء النص التشريعي المقضي بعدم دستوريته تبعا لما تقتضيه كل حالة على حدة بحسب الآثار التي أحدثها النص في الماضي ، وذلك حتى لا يترتب عليه إخلالا كبيرا بالمراكز القانونية المكتسبة([79]).

(ثالثا)خصائص الرقابة الدستورية في فرنسا:

يعد تنظيم الرقابة الدستورية الذي أرساه دستور الجمهورية الخامسة في فرنسا لعام 1958 وتعديلاته تنظيما فريدا ومتميزا سواء في أول مراحل عهده عند فرضه الرقابة السابقة المحدودة بشقيها الوجوبي والاختياري لصالح السلطات العامة وحدها ، أو في آخر مراحل تطوره ببسطه الرقابة اللاحقة بالإضافة إلى السابقة والتي أحاطها بعدة قيود وضوابط قد تقلل من أهميتها العملية([80])ويمكن أن نجمل الخصائص التي يتصف بها تنظيم الرقابة الدستورية في فرنسا، في النقاط التالية:

  • أن الرقابة على دستورية القوانين تتميز بأنها مركزية إذ أسندت لهيئة واحدة هي المجلس الدستوري دون مشاركة من أي جهة أخرى .
  • أن ممارسة الرقابة على دستورية القوانين تضطلع بها هيئة يصطبغ تشكيلها بالطابع السياسي البحت .
  • أن الرقابة الدستورية التي يباشرها المجلس الدستوري تجمع بين الرقابة السابقة واللاحقة لصدور القانون.
  • أن اختصاص المجلس الدستوري في مجال الرقابة الدستورية السابقة واللاحقة جاء محدد حصرا بالمسائل المنصوص عليها في الدستور .
  • أن تحريك الرقابة السابقة على دستورية القوانين معهود به إلى السلطات العامة وحدها ، بينما تحريك الرقابة اللاحقة منوط بالأشخاص الطبيعية والاعتبارية.
  • أن الإجراءات التي يسير عليها المجلس الدستوري في نظر المسائل الدستورية وإصدار قراراته بشأنها تتسم بالطابع القضائي .
  • أن قرارات المجلس الدستوري الفرنسي الصادرة بعدم الدستورية تتمتع بالحجية المطلقة قبل الكافة وجميع السلطات والهيئات في الدولة .
  • أن قرارات المجلس الدستوري بإلغاء النصوص التشريعية المخالفة للدستور تسري كقاعدة عامة بأثر فوري ومباشر من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية .

ونستطيع في نهاية دراستنا للتجربة الفرنسية في مجال الرقابة على دستورية القوانين والتي تتخذ دائما نموذجا للرقابة السياسية أن نقرر بأن الرقابة الدستورية التي يمارسها المجلس الدستوري الفرنسي على القوانين باتت في آخر مراحل تطورها تجمع بين الرقابة السياسية السابقة والرقابة القضائية اللاحقة ، إذ لا أحد يمكنه أن يشكك الآن- خصوصا بعد استحداث الدفع بالمسألة الدستورية الأولية – في اعتبار المجلس الدستوري الفرنسي ذو طبيعة قضائية وذلك بغض النظر عن طريقة تشكيله ، فهو يتبع في إصدار قراراته الإجراءات القضائية ويفصل في مسائل قانونية وتتمتع قراراته بالحجية المطلقة والقوة الملزمة لكافة السلطات في الدولة .

 الخاتمة

تعرضنا في هذا البحث الموجز لأهم التجارب الكبرى في الرقابة على دستورية القوانين ، والتي يعبر عنها النموذجان الأمريكي والفرنسي ، حيث يمثل أولهما التجربة الأنجلوسكسونية في رقابة القضاء اللاحقة على دستورية القوانين بطريق الامتناع ، ويجسد ثانيهما التجربة اللاتينية فيما يعرف بالرقابة السياسية السابقة على دستورية القوانين والتي تطورت في آخر مراحلها إلى المزج بين الرقابة السابقة واللاحقة على ما مر بنا ، ولا تخلو دراسة للرقابة على دستورية القوانين من الإشارة إلى هذين النموذجين لما يتضمناه من مفاهيم عميقة بهذا الخصوص ، دون أن يعني ذلك ضرورة الأخذ بأي منهما ، فلكل دولة خصوصيتها وذاتيتها التي تملي عليها ما يناسبها من نظم الرقابة على دستورية القوانين ، ومع ذلك يظل هذين النموذجين منهلا خصبا ورصيدا مضافا لا يمكن الاستغناء عنه في هذا المجال أيا كان نظام الرقابة الدستورية المتبع ، وهذا ما كان يستهدف البحث الوقوف عليه ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

أهم المراجع :

  1. 1. د. أحمد كمال أبو المجد

الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة والإقليم المصري ، مكتبة النهضة المصرية القاهرة 1960 .

  1. د. رمزي طه الشاعر

رقابة دستورية القوانين ، مطابع دار التيسير القاهرة 2004 .

  1. د. محمد إبراهيم درويش وآخر

القانون الدستوري ، دار النهضة العربية القاهرة 2007 .

  1. د. عادل عمر شريف

قضاء الدستورية في مصر ، رسالة دكتوراه حقوق عين شمس 1988 .

  1. د. مصطفى محمود عفيفي

رقابة الدستورية في مصر والدول الأجنبية ، مكتبة سعيد رأفت القاهرة 1990 .

  1. د. علي السيد الباز

الرقابة على دستورية القوانين في مصر، دار الجامعات المصرية الإسكندرية 1978 .

  1. د. عبدالعزيز محمد سالمان

رقابة دستورية القوانين ، دار الفكر العربي القاهرة 1995 .

  1. د. هشام محمد فوزي

رقابة دستورية القوانين ، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان القاهرة 1999 .

  1. د. شعبان أحمد رمضان

ضوابط وآثار الرقابة على دستورية القوانين ، رسالة دكتوراه حقوق أسيوط 2000 .

  1. د. عزيزة الشريف

دراسة في الرقابة على دستورية التشريع ، مطبوعات جامعة الكويت 1995 .

  1. د. شريف يوسف خاطر

المسألة الدستورية الأولية ، دار الفكر والقانون المنصورة 2015 .

الهوامش :

([1])      راجع لمزيد من التفصيل مؤلفنا رقابة دستورية القوانين في ليبيا ومصر والكويت والبحرين- دراسة تحليلية مقارنة –منشأة المعارف الإسكندرية ط1/2018 .

([2])      راجع لمزيد من التفصيل رسالة أ.د. أحمد كمال أبو المجد ، الرقابة على دستورية القوانين في الولايات المتحدة الأمريكية والإقليم المصري ، مكتبة النهضة المصرية القاهرة ط/ 1960 .

([3])      راجع لمزيد من التفصيل أ.د. يحيى الجمل ، القضاء الدستوري في مصر ، دار النهضة العربية ط/ 2011 .

([4])      راجع لمزيد من التفصيل أ.د. رمزي طه الشاعر ، رقابة دستورية القوانين – دراسة مقارنة مع دراسة تحليلية للقضاء الدستوري في مصر – مطابع دار التيسير القاهرة 2004 ص124 وما بعدها .

([5])      نعتقد أن النموذج الفرنسي يصطبغ  بالطابع السياسي من الناحية العضوية فقط ، أما من الناحية الموضوعية فهو يتسم بالطابع القضائي على ما سنرى لاحقا . 

([6])      أ.د. محمد إبراهيم درويش وآخر ، القانون الدستوري ( النظرية العامة – الرقابة الدستورية – أسس النظام الدستوري المصري ) دار النهضة العربية القاهرة ط1/2007 ص175 وما بعدها .

([7])      دخل هذا الدستور حيز النفاذ بعد المصادقة عليه من قبل الولايات اعتبارا من 1789.03.04 .

([8])      م.د. عادل عمر شريف ، قضاء الدستورية ، القضاء الدستوري في مصر ، رسالة دكتوراه حقوق عين شمس 1988 ص31 وما بعدها

([9])      تتألف السلطة التشريعية في الولايات المتحدة الأمريكية – أي الكونجرس – من مجلسي النواب والشيوخ ، وذلك وفقا لما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة الأولى من الدستور الاتحادي الأمريكي .

([10])    أ.د. مصطفى محمود عفيفي ، رقابة الدستورية في مصر والدول الأجنبية – دراسة تحليلية مقارنة لأنظمة الرقابة في الدول المعاصرة – مكتبة سعيد رأفت جامعة عين شمس القاهرة ط1/1990 ص105 وما بعدها .

([11])    أ.د. أحمد كمال أبوالمجد ، المرجع السابق  خصوصا ص39 وما بعدها .

([12])    تعود المكانة المرموقة التي يحظى بها السيد/ جون مارشال إلى الجهود التي بذلها في دفاعه عن مشروع الدستور الاتحادي الأمريكي بالمجلس التشريعي لولاية فرجينيا ، وتوليه منصب القضاء في هذه الولاية ، وعمله الدائم كوزير مع الرئيس جون آدمز ، وقد ترأس المحكمة العليا الاتحادية في أمريكا لمدة 35 عاما من سنة 1800 حتى سنة 1835 ( راجع أ.د. أحمد كمال أبوالمجد ، المرجع السابق ص21 ، أ.د. مصطفى عفيفي ، المرجع السابق ص109 هامش رقم 48 ) .

([13])    راجع في استعراض وقائع هذا الحكم والحجج التي أقيم عليها وتقييمه أ.د.أحمد كمال أبوالمجد ، المرجع السابق ص20 وما بعدها . 

([14])    يلاحظ أن محاكم الولايات كانت تمارس الرقابة الدستورية عند تعارض قوانينها مع الأوامر الملكية والقوانين الانجليزية في عهد الاستعمار الانجليزي ، كما كانت محاكم الولايات تباشر رقابتها الدستورية عند تعارض قوانينها مع دساتيرها المحلية في عهد الاستقلال ( راجع رسالة د. علي السيد الباز ، الرقابة على دستورية القوانين في مصر ، دار الجامعات المصرية الإسكندرية 1978 ص154 هامش رقم 1 ) .

([15])    أ.د. محمد إبراهيم درويش وآخر ، المرجع السابق ص214 .

([16])    م.د. عبدالعزيز محمد سالمان ، رقابة دستورية القوانين ، دار الفكر العربي القاهرة ط1/1995 ص178
وما بعدها .

([17])    د. هشام محمد فوزي ، رقابة دستورية القوانين – دراسة مقارنة بين أمركا ومصر- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان القاهرة ط/1999 ص87 وما بعدها .

([18])    أ.د. مصطفى عفيفي ، المرجع السابق ص111 وما بعدها ، أ.د. محمد إبراهيم درويش وآخر ، المرجع السابق ص215 وما بعدها ، د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص175 .

([19])    أ.د. أحمد كمال أبوالمجد ، المرجع السابق ص272 ، م.د. عبدالعزيز سالمان ، المرجع السابق ص181 .

([20])    د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص179 .

([21])    أ.د. عزيزة الشريف ، دراسة في الرقابة على دستورية التشريع ، مطبوعات جامعة الكويت ط/1995 ص188 وما بعدها .

([22])    د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص181 ، أ.د. عزيزة الشريف ، المرجع السابق ص189 وما بعدها .

([23])    أ.د. مصطفى عفيفي ، المرجع السابق ص126 وما بعدها .

([24])    أ.د. محمد إبراهيم درويش وآخر ، المرجع السابق ص220 وما بعدها ، د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص320 وما بعدها .

([25])    أ.د. عزيزة الشريف ، المرجع السابق ص192 .

([26])    د. محمد عبدالله الشوابكة ، رقابة الامتناع على دستورية القوانين – دراسة مقارنة –  دار الثقافة للنشر والتوزيع عمان الأردن ط/2012 ص152 وما بعدها .

([27])    م.د. عادل عمر شريف ، رسالته السابقة ص34 وما بعدها .

([28])    أ.د. شعبان أحمد رمضان ، ضوابط وآثار الرقابة على دستورية القوانين ، رسلة دكتوراه حقوق أسيوط 2000 ص173 .

([29])    د. محمد عبدالله الشوابكة ، المرجع السابق ص158 وما بعدها .

([30])    أ.د. محمد كامل ليلة ، القانون الدستوري ، دار الفكر العربي القاهرة ط/1971 ص151 ، م.د. عبدالعزيز محمد سالمان ، المرجع السابق ص190 .

([31])    د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص50 وما بعدها .

([32])    أ.د. محمد كامل ليلة ، المرجع السابق ص122 .

([33])    أ.د. عبدالغني بسيوني عبدالله ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف الإسكندرية ط/1997 ص414 ، م.د. عادل عمر شريف ، رسالته السابقة ص38 وما بعدها .

([34])    د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص59 ، م.د. عبدالعزيز محمد سالمان ، المرجع السابق ص194 .

([35])    أ.د. إبراهيم عبدالعزيز شيحا ، القانون الدستوري ، الدار الجامعية للطباعة والنشر بيروت ط/1983 ص214 وما بعدها ، م.د. عبدالعزيز محمد سالمان ، المرجع السابق ص194.

([36])    أ.د. عبدالغني بسيوني عبدالله ، المرجع السابق ص414 وما بعدها .

([37])    أ.د. محمد كامل ليلة ، المرجع السابق ص125 وما بعدها ، م.د. عادل عمر شريف ، رسالته السابقة ص40 وما بعدها .

([38])    من بين هذه المسائل : الإشراف على سلامة إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وفحص الطعون وإعلان نتائج الاقتراع ، والفصل في صحة الإجراءات الخاصة بانتخاب أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ، والإشراف على صحة عمليات الاستفتاء الشعبي وإعلان نتائجه ( المواد 58 ، 59 ، 60 من الدستور الفرنسي ) .

([39])    الأستاذ موريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري- الأنظمة السياسية الكبرى – ترجمة د. جورج سعد ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت ط1/1992 ص245 .

([40])    أ.د. مصطفى محمود عفيفي ، المرجع السابق ص55 وما بعدها ، أ.د. شعبان أحمد رمضان ، رسالته السابقة ص131 وما بعدها .

([41])    أ.د. محمد إبراهيم درويش وآخر ، المرجع السابق ص163 .

([42])    م.د. عادل عمر شريف ، رسالته السابقة ص44 وما بعدها ، م.د. عبدالعزيز محمد سالمان ، المرجع السابق ص202 وما بعدها .

([43])    أ. علي عيسى اليعقوبي ، تعديل 23 تموز 2008 وأثره في تطور الرقابة على دستورية القوانين في فرنسا
( مجلة العلوم القانونية العراقية ، المجلد 37 ع2 ص381 وما بعدها ) .

([44])    يلاحظ أن فكرة الرقابة الدستورية اللاحقة لم تكن غائبة في فرنسا منذ إعداد دستور عام 1958 حيث رفضتها لجنة الخبراء المكلفة بوضع المشروع التمهيدي في 1958.07.08 ، وتم اقتراح الفكرة مجددا في إطار البرنامج المشترك لحكومة أحزاب اليسار عام 1964 ، كما وردت الفكرة أيضا في ميثاق الحريات الذي أعد في عام 1976 بإشراف المحامي والأستاذ الجامعي R.Badinter لحساب المعارضة آنذاك ، والذي أصبح فيما بعد رئيسا للمجلس الدستوري وقام بطرح الفكرة من جديد بصورة أقوى مع مشروع تعديل الدستور في عامي 1990 و1993 ولكنها لم تخرج إلى النور ( راجع أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، رقابة الدستورية اللاحقة في فرنسا ، مجلة الدستورية التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا المصرية ع16 س7– أكتوبر 2004 – ص17 وما بعدها ) .

([45])    أ.د. يسري محمد العصار ، الجمع بين الرقابة السابقة واللاحقة على الدستورية في فرنسا بمقتضى التعديل الدستوري لعام 2008 ( مجلة الدستورية التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا المصرية ع16 س7 أكتوبر2009 ص35 وما بعدها ) .

([46])    يشير أ.د. يسري محمد العصار في مقالته السابقة إلى أن عدم إقرار البرلمان لذات المشروع في عهد الرئيس الاشتراكي ميتران لم يكن راجعا لرفض مبدأ منح المجلس الدستوري هذا الاختصاص ، وإنما كان لأسباب سياسية بحتة تعود لاعتراض أعضاء البرلمان الذين ينتمون للاتجاه الليبرالي باعتبارهم خصوم للاشتراكيين .

([47])    وهما المرسومين رقمي 148/2010 ، 149/2010 الصادرين في 2010.02.16 ويتضمن الأول تعديل الجزء اللائحي من تقنين العدالة الإدارية ، وتقنين الإجراءات المدنية ، وتقنين الإجراءات الجنائية ، وتقنين تنظيم القضاء ، ويتعلق الثاني باستمرار المساعدة القضائية للمتقاضين بمناسبة فحص الدفوع بعدم الدستورية سواء أمام مجلس الدولة أو محكمة النقض أو المجلس الدستوري نفسه ( راجع أ.د. صلاح الدين فوزي ، الأفراد والدفع بعدم دستورية القوانين في النظام الدستوري الفرنسي ، مجلة الدستورية التي تصدرها المحكمة الدستورية العليا المصرية ع25 س12 أبريل2014 ) .

([48])    أ. علي عيسى اليعقوبي ، مقالته السابقة .

([49])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، الأفراد والدفع بعدم دستورية القوانين في النظام الدستوري الفرنسي ، مقالته السابقة .

 

([50])    ينصرف اصطلاح القوانين الأساسية في فرنسا إلى تلك التي تنظم موضوعات معينة نص عليها الدستور ، وتخضع في إصدارها وتعديلها لإجراءات خاصة تختلف عن الإجراءات المتبعة في إصدار القوانين العادية .

([51])    أ.د. إبراهيم عبدالعزيز شيحا ، المرجع السابق ص221 ، د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص75 .

([52])    أ.د. شعبان أحمد رمضان ، رسالته السابقة ص229 وما بعدها .

([53])    ولقد أتاح هذا التعديل الدستوري للمعارضة البرلمانية الطعن في دستورية القوانين التي تم التصويت عليها في البرلمان وقبل إصدارها أمام المجلس الدستوري ( راجع الأستاذ موريس دوفرجيه ، المرجع السابق ص246 ) .

([54])    جدير بالذكر أن المعاهدات الدولية تخضع للرقابة الجوازية للمجلس الدستوري قبل التصديق عليها ، ولكنها رقابة من نوع خاص لأنه في حالة إعلان المجلس أن المعاهدة تحوى نصا يتعارض مع الدستور فإن ما يتم تعديله هو الدستور نفسه وليست نصوص المعاهدة ( راجع أ.د. شعبان أحمد رمضان ، رسالته السابقة ص256 ) .

([55])    ويجوز بناء على طلب الحكومة في حالات الاستعجال إنقاص هذه المدة إلى ثمانية أيام

([56])    د. علي السيد الباز ، المرجع السابق ص76 ، م.د. عادل عمر شريف ، رسالته السابقة ص45 وما بعدها .

([57])    أ.د. شعبان أحمد رمضان ، رسالته السابقة ص165 وما بعدها .

([58])    أ.د. إبراهيم عبدالعزيز شيحا ، المرجع السابق ص222 ، أ.د. عبدالغني بسيوني عبدالله ، المرجع السابق ص416 وما بعدها .

([59])    وهو اختصار لتعبير     question prioitaire de constitutionnalite

([60])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة .

([61])    أ.د. شريف يوسف خاطر ، المسألة الدستورية الأولية – دراسة مقارنة – دار الفكر والقانون المنصورة ط/2015 ص72 وما بعدها ، أ. علي عيسى اليعقوبي ، مقالته السابقة .

([62])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ، أ.د. يسري العصار ، مقالته السابقة ، أ. علي عيسى اليعقوبي ، مقالته السابقة .

([63])    أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، مقالته السابقة .

([64])    ويخضع الدفع أمام المحاكم الجنائية لنظام خاص حيث لا يجوز إبداؤه إلا في المرحلة التي تسبق المحاكمة الجنائية وينعقد البث فيه لغرفة التحقيق أو الاتهام باعتبارها الجهة المختصة بالنظر في صحة الإجراءات ، وكذلك في المرحلة التي تلي المحاكمة الجنائية بمناسبة الطعن بالاستئناف أو النقض في الحكم الصادر بالخصوص( راجع أ.د. منصور محمد أحمد ، الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين في فرنسا ، دار النهضة العربية القاهرة ط/2012 ص36 وما بعدها ) .

([65])    أ.د. مدحت أحمد محمد يوسف غنايم ، الاتجاهات الحديثة في رقابة دستورية القوانين في الأنظمة اللاتينية ( مصر وفرنسا ) ، دار النهضة العربية القاهرة ط/2010 ص105 وما بعدها ، أ.د. شريف يوسف خاطر ، المرجع السابق ص145 وما بعدها ، ويلاحظ أن عبارة تغير الظروف لا تنصرف إلى تغير الظروف الشخصية لمن أثار الدفع ، وإنما المقصود بذلك هو الظروف القانونية أو الواقعية التي من شأنها جعل النص التشريعي متعارضا مع الدستور ، مثل إدراج حق جديد في الدستور نتيجة تعديله ، أو الاعتراف بمبدأ أساسي جديد من مبادئ قوانين الجمهورية أو إعطاء تفسير جديد من جانب المجلس الدستوري لنفس النص الدستوري الذي استند إليه في حكمه السابق ( راجع أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، مقالته السابقة ) .

([66])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ، أ.د.شريف يوسف خاطر ، المرجع السابق ص132 وما بعدها .

([67])    يلاحظ أنه يجوز إبداء الدفع بالمسألة الدستورية الأولية ، ولو لأول مرة أمام محكمة النقض أو مجلس الدولة وحتى أمام المجلس الدستوري نفسه بمناسبة نظره الطعون الانتخابية ، ويخضع الدفع في ذلك لذات القواعد المقررة أمام محكمة الموضوع عدا إعادة الفحص .

([68])    أ.د. يسري محمد العصار ، مقالته السابقة ، أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ، مع ملاحظة أنه يستثنى من وقف الفصل في الدعوى الموضوعية الإجراءات الوقتية والتحفظية التي يتطلب اتخاذها ، والقضايا التي يلزم المشرع المحاكم بالفصل فيها خلال مدة محددة ، وحالة وجود إجراءات مقيدة للحرية .

([69])    تنفرد إحالة المسألة الدستورية لمحكمة النقض بتنظيم خاص لا يتبع عند الإحالة لمجلس الدولة ، حيث  يقوم رئيس محكمة النقض بإبلاغ النائب العام بالإحالة ، وتتولى إعادة فحص المسألة الدستورية المحالة دائرة خاصة مشكلة من رئيس المحكمة ورؤساء الدوائر بها وأثنين من المستشارين في الدوائر المعنية بالدفع ( أ.د. يسري محمد العصار ، مقالته السابقة ) .

([70])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ، أ.د. شريف يوسف خاطر ، المرجع السابق ص182 وما بعدها .

([71])    أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، مقالته السابقة .

([72])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ، أ.د. يسري محمد العصار ، مقالته السابقة .

([73])    يلاحظ أن هذا الميعاد وغيره من المواعيد الأخرى المتعلقة بالرقابة اللاحقة ، لا تعدو كونها مواعيد تنظيمية لعدم تقرير أي جزاء على مخالفتها ( أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة ) .

([74])    أ.د. شريف يوسف خاطر ، المرجع السابق ص240 وما بعدها .

([75])    أ.د. يسري محمد العصار ، مقالته السابقة .

([76])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة .

([77])    أ. علي عيسى اليعقوبي ، مقالته السابقة .

([78])    أ.د. صلاح الدين فوزي ، مقالته السابقة .

([79])    أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، مقالته السابقة .

([80])    يلاحظ أن اعتبار الاتفاقيات الدولية في مرتبة أعلى من القانون وأدنى من الدستور في سلم تدرج القواعد القانونية في فرنسا جعلت من حق أي قاضي فرنسي بحث مدى مطابقة التشريع للاتفاقيات الدولية فيما بات يعرف بالرقابة الاتفاقية ، فإذا تبين له مخالفة التشريع للاتفاقية فإنه يمتنع من تلقاء نفسه عن تطبيق التشريع ويعمل أحكام الاتفاقية ، وإزاء تزايد أهمية الاتفاقيات الدولية في ظل انضمام فرنسا للاتحاد الأوربي فإن الدفع بمخالفة القانون للاتفاقية أصبح مألوفا ، وهو ما يعتقد معه الفقه الفرنسي أن الخصوم سيلجئون إلى التمسك بمخالفة القانون للاتفاقيات الدولية دون الدخول في نظام المسألة الأولية بعدم الدستورية التي تحتاج لإجراءات مطولة للفصل فيها تتمثل في الإحالة إلى المحكمة الأعلى ثم إلى المجلس الدستوري بينما لا تتطلب الرقابة الاتفاقية ذلك ، الأمر الذي جعل بعض هذا الفقه يتسأل عما إذا كان استحداث نظام الدفع بالمسألة الدستورية الأولية جاء متأخرا وبعد فوات الأوان ؟ ( راجع أ.د. محمد محمد عبداللطيف ، مقالته السابقة وقد أشار في ذلك إلى الأستاذ J.Gicquel ) .

 

About khalifaelgahmi

دكتوراه في القانون العام بمرتبة الشرف الأولى مستشار بالمحكمة العليا الليبية استاذ غير متفرغ بالجامعات الليبية
هذا المنشور نشر في Uncategorized. حفظ الرابط الثابت.

أضف تعليق